Sunday, October 20, 2019

الرقيب سعد خضر



في منتصف السبعينيات الميلادية من القرن الماضي وما بعدها بسنوات قليلة كانت بلادنا تعيش ما سُمّي بالـــ"الطفرة" وهي حقبة زمنيّة استهوت كل مغامر وطامح لكسب المال المتاح بسهولة سواء من أهل البلاد أو غيرهم ممن كانوا يعيشون بين ظهرانينا من الأشقاء العرب ، ومن أكثر الفرص المغرية تلك التي لها علاقة بالتراب!! نعم التراب حيث كانت الأرض وما على ظهرها مصدرا للمال، اذ تم نهب الصحاري والوديان وحتى الجبال من قبل هوامير العقار يسندهم من خلف الكواليس ايضا هوامير المناصب الحكومية الذين أمروا بالمصادقة على مخططات الأراضي وطرحها للمساهمات العامّة فأصبح ذلك النشاط مجالا خصبا للثراء السريع بما يشبه لعب (القمار) كحال سوق الأسهم اليوم.
ما علينا...رأيت هذه المقدّمة مدخلا مهما لحكاية اليوم حيث ترك حينها الكثير من موظفي الدولة بما فيهم العسكر وظائفهم ذات الرواتب الهزيلة وركبوا موجة العقار فائقة سرعة الثراء، خياليّة الأحداث، وبالتالي وجدت الأجهزة العسكرية والأمنية نفسها أمام مأزق شح الكوادر يقابله ضغط عمل رهيب فأعلنت بما يشبه الاستجداء عن وظائف بمداخيل مالية مغرية وفرص ترقّي سريعة ومع ذلك عفّ الشباب آنذاك عن قبولها بعدما سمعوا نصائح من سبق وأن عملوا في السلك العسكري (اللي ما يوكّل عيش) كما يقال فهناك ما هو أكثر اغراءً وأكثر حُرّية للتحرك في اهتبال الفرص الذهبيّة المتاحة على قارعة طريق كل طامح.
هذا الأمر دفع بمديرية الأمن العام لانتداب "لجان" توظيف في مختلف مناطق المملكة لإغراء الشباب في أعقار دورهم للالتحاق بالوظائف الشاغرة لديهم وهي بالــ(كوم) مع وعودٍ بالمنّ والسلوى وقد حققت هذه الخطوة نجاحا ضئيلا، اذ لا زال هناك عجزا في العناصر البشرية (المتعلّمة) وخصوصا في سلك المرور لهذا السبب اهتدى المسؤولون الى فكرة الاستعانة بالبرنامج التلفزيوني(العيون الساهرة) والذي كان يحقق نسبة مشاهدات عالية في فترة ما بين صلاة المغرب الى الاعلان عن صلاة العشاء وهو موعد بث البرنامج في يوم الأحد من كل اسبوع (كان لي شرف المساهمة في تقديم البرنامج حينها) فطلبوا منّا ادراج فقرة تحث الشباب على الانخراط في سلك المرور تحديداً.
قمت بكتابة نص عن شاب يمر بالصدفة من أمام بوابة معهد المرور ويشاهد بإعجاب واندهاش الشباب وهم يتدرّبون في الميدان.
عاد الى بيته ومشاهد العسكر تتكرر في مخيلته فينظر الى المروحة التي تدور في سقف غرفته وتدور معها أحلامه الوردية فيتخيّل نفسه قائدا لأوركسترا يضبط بعصاه إيقاع حركة السيارات في التقاطعات والميادين، بعدها يقرر الالتحاق بالمعهد.
بقية القصة كما في افلام السينما الهندية نهايتها سعيدة بانتصار البطل (قام بتمثيل دور الشاب) الممثل الشهير "سعد خضر".
أثناء تصوير مشاهد ذلك الفلم في معهد المرور بالناصرية احتجنا الى لباس رجل مرور برتبة وكيل رقيب أو رقيب (لا أذكر) فطلبنا من أحد الرقباء في المعهد ممن يماثلون طول سعد خضر استعارة بدلته للتصوير، وافق في البداية وحين رأى سعد خضر برتبة رقيب يركب الدراجة النارية اعترض بقوله: كيف يحصل "فرج الله" (اسم أحد الشخصيات التي مثلها سعد آنذاك) على رتبة رقيب بهذه السرعة وأنا افنيت عمري حتى حصلت عليها؟ إنزل يا فرج إنزل....! وأصر على أن يخلع سعد البدلة رغم افهامه بأن الحكاية كلها تمثيل في تمثيل.
خارج الحكاية
في تلك الفترة لم تكن كاميرات الفيديو المحمولة معروفة في التلفزيون السعودي(لا أدري عن بقيّة التلفزيونات العربية) لهذا كُنّا نستخدم في التصوير الخارجي كاميرا "بوليكس" وأشرطة 16ملم السينمائية والتي يتم تحميضها في معامل تلفزيون الرياض ومنتجتها على جهاز المونتاج (المفيولا) في شعبة العلاقات العامة بالأمن العام ثم في ادارة العلاقات والتوجيه بوزارة الداخلية.
الصور أعلاه اثناء تصوير المشاهد ويظهر بجانب الفنان سعد خضر النقيب عبدالعزيز الشاطر مدير المعهد آنذاك (لواء متقاعد حاليا) ومُعدّ البرنامج المخرج المصري محمود الدرجلي ومقدّم برنامج العيون الساهرة ملازم أول عبدالله الكعيد (كاتب هذه السطور).

ابوسحر                                               

aalkeaid@hotmail.com

1 comment:

اتصل بنا

Name

Email *

Message *