Wednesday, October 9, 2019

وفسدتْ الانتخابات

لم يك (معظم) سكّان العاصمة الرياض ليصدقوا ما يحدث أمامهم صباح يوم الخميس الفاتح من العام الهجري 1426هـ الموافق للعاشر من فبراير2005 لولا أن وجدوا أنفسهم بالفعل يصطفون في طوابير طويلة داخل المراكز الانتخابية فأدركوا بأنهم يخوضون تجربة انتخابية حقيقيّة رغم ان ليس لها ذلك التأثير في صنع القرارات المصيرية التي تمس بشكل مباشر حياتهم ولكنهم قد سمعوا وعودا حالمة من المرشحين اثناء حملاتهم الانتخابية ومع ذلك فهم يدركون في دواخلهم تمام الادراك أن القرار في النهاية عند (المعازيب).
قبل ذلك اليوم المشهود بأشهر أُضيفت مفردات جديدة في قاموس المجتمع السعودي مثل: انتخابات، مراكز انتخابية، صناديق اقتراع، شروط مرشح الانتخابات، شروط الناخب، البطاقة الانتخابية..الخ ثم حدث في آخر ايام الحملات الانتخابية أن دخل ايضا مصطلح (القوائم الذهبيّة) تلك التي يزكّيها رجال الدين والدعاة اصحاب الجماهيرية الكبيرة والذين طلبوا من اتباعهم الحرص على نشرها بكل طريقة ممكنه فتناقلت رسائل الـــ(SMS) تلك القوائم مُذيّلة بالعبارة الشهيرة (أنشر تُؤجر).
ما علينا، المؤكد أن المنتمين للتيارات المتصارعة آنذاك قد حرصوا على عدم تفويت هذه الفرصة ايا كانت النتيجة يكفي الشعور بأن صوت الفرد منهم سيكون له التأثير في ترجيح كفّة مُرشح على آخر.
في ذلك الوقت كنت ألتقي بشكل شبه يومي بالصديق القريب جدا الى النفس الفنان الراحل عبدالعزيز الحمّاد (رحمه الله) والذي تربطني به صداقة قديمة بدأت منذ عودته من الولايات المتحدة الأمريكية حيث درس الاخراج هناك ثم تم نقله من وزارة (المعارف) الى وزارة الداخلية وتعيينه في شعبة السلامة بالإدارة العامة للمرور والتي كان لي شرف رئاستها (أي السلامة) منذ عام 1981م وحتى مغادرة الوظيفة الحكومية بطلب مُلحّ منّي عام 1994.
وفي أحد الأيام ابدى لي ابا حسام رغبته بالترشّح للانتخابات البلديّة عن دائرة حي (الملز) حيث يقع منزله رحمه الله ولكنه اشترط أن أكون (ويا للمفاجأة) مديرا لحملته الانتخابية!!
لم أُفاجأ بفكرة الترشح لكنني فوجئت بالطلب فقلت له: الحملة الانتخابية والوصول الى الجمهور يحتاج الى أموال طائلة خاصة وأنت ترى أن ألمرشحين الذين ستنافسهم قد دخلوا السباق بقوّة معتمدين على أرصدتهم البنكية وأنا أعرف البير وغطاها يا أبا حسام.
قال: صحيح ينقصنا المال ولكننا نملك واقعيّة الأهداف ورصيد كبير من محبّة الناس.
بدأنا نُفكّر في صياغة حملتنا الانتخابية وقررنا استخدام اسلوب دغدغة المشاعر من خلال إطلاق وعود بسيطة بالإمكان الوفاء بها في حالة الفوز، لهذا اقترحت عليه أن يكون شعار حملتنا عامل النظافة!! أليست انتخابات بلدية وأهم مهام ومسؤوليات أي بلدية في العالم هو نظافة المدينة والاصحاح البيئي؟ فوافق ابا حسام بشدّة وتمسّك بهذا الاقتراح الى درجة أن تم شراء بدلة عامل نظافة صفراء وهو اللون المعتمد في أمانة مدينة الرياض لعمّال النظافة آنذاك.
أحضرت كاميرا الـــــ(كانون) خاصّتي ولبس عبدالعزيز البدلة الصفراء ولوازمها، وخرجنا الى الشارع وبدأت في التقاط الصور اثناء قيامه بالكنس وجمع النفايات، بعدها قمت بتصميم (بانفلت) الحملة الذي احتوى غلافة على صورة صاحبنا مرشّح انتخابات دائرة (الملز والبطحاء) حيث خاطب الناخبين بقوله (الميدان هو عنواني) وأقمنا بعد ذلك (خيمة) داخل فناء منزله كمقر للحملة وفردنا أمامها لوحة قماشيّة طويلة مطبوع عليها شعارنا الانتخابي وبجانبه رقم المرشّح (12) ورقم المركز الانتخابي(41) الدائرة الخامسة "الملز والبطحاء".
أصبحنا طوال الوقت نجتمع كأصدقاء في الخيمة وهات يا سوالف وتنظير وشرب قهاوي وشواهي وعلى الرغم من أن باب البيت كان يُفتح على مصراعيه لم يشرّف مقر حملتنا (النكتة) غير عدد محدود من الجيران وبعض الأخوة العمّال الذين وجدوها فرصة للراحة وتناول القهوة العربية وتمر الخلاص.
في يوم الانتخابات المشهود لم أقف مع مرشحنا لأنني كنت مراقبا لها بصفتي عضوا في هيئة الصحفيين السعوديين والتي كانت (افتراضا) احدى مؤسسات المجتمع المدني المُكلّفة بمراقبة الانتخابات البلدية وكان المركز الانتخابي الذي أُراقب فيه يقع في اقصى غرب الرياض ولهذا لم أك على دراية بمجريات سير انتخابات دائرة صاحبنا التي تقع في شرقه.
أختصر لكم الحكاية بالتنويه أن المرشح رقم (12) في الدائرة الخامسة (الملز والبطحاء) الفنان عبدالعزيز الحمّاد لم ينل الا عددا محدودا من الأصوات بعد اكتساح أصحاب (القوائم الذهبيّة) المدعومة ممن كان لهم كلمة مسموعة عند شريحة كبيرة من الناخبين الأمر الذي أخرجنا بسهولة من المنافسة على أحد المقاعد بل وأفسد عملية الانتخابات برمّتها.
رحم الله الصديق الفنان الشامل عبدالعزيز الحمّاد وأسكنه فسيح جنّاته.

ابوسحر
aalkeaid@hotmail.com
****************************
• صور عبدالعزيز الحماد (رحمه الله) بالبدلة الصفراء منسوخة من (بانفلت) حملتنا الانتخابيّة.
• صورة كاتب هذه السطور مع الراحل التقطت في آخر يوم تصوير لمسلسل قام ببطولته الحمّاد والممثلة غادة عبدالرازق في المريوطيه بالقاهرة.

No comments:

Post a Comment

اتصل بنا

Name

Email *

Message *