مذكرات قط شوارع (1)
لم أعرف التشرّد ولا الهجولة في الشوارع فمكاني الاحضان، أنعم بالدفء والدلع وحتى اثناء النوم لا أشيل همّ الغطاء فهناك من يغطيني بلحاف يحويني مع دلّوعة البيت الرقيقة "سوسو"
الآن الوضع اختلف تماما إذ أصبحت أتسكّع من رصيف الى آخر ومن زقاق الى ممر وحتى القيلولة التي كنت أنعم بها تحت هواء مكيف غرفة الصغيرة اصبحت أتّقي لهيب الشمس أسفل السيارات المتوقفة في الحي وحرارة الاسفلت تشوي جلدي، حين شاهدني قط عجوز بالكاد تحمله قوائمه نظر نحوي طويلا وهو يهز ذيله قائلا:
مثل ما راكم الدلع شحم فخوذك ستذيب لواهيب الرياض حتى هدب عيونك يا الاشهب، ثم مضى مُطرقا برأسه حتى كاد أن يكنس الاسفلت بلسانه.
ضَرَبتْ هذه الكلمات نخاعي الشوكي فأصابتني كهرباء هزّتني حتى أطراف ذيلي الذي انتصب كأصبع سبّابة مُصلي في جلسة التشهّد.
تنبأت حينها بقسوة الشقاء الذي سأواجهه في قادم ألايام فالعجوز لم يقل هذا الكلام من فراغ ولا هو تشفٍّ من غريم فهو لا يعرفني ولم أره من قبل.
صعقتني تلك الكلمات فتيبس لساني وارتعشت أطرافي
وأحسست بارتفاع درجة حرارتي حتى غبت عن الوعي.
أفقت على وجع في رأسي وأنا مُمدد على بساط أخضر مُبتلّ تُحيط بي الأشجار والزهور مُنسّقة بشكل هندسي مُدهش لا نعرف نحن عشيرة القطط كيف لهؤلاء البشر القساة ضخام الأجساد غلاظ القلوب أن يتقنوا التعامل مع تلك النباتات الرقيقة ويعتنوا بها وهم أباطرة الهدم والاجتثاث وتلويث كل نظيف.
هل شاهدتم في يومٍ قط لا يُلعق أطرافه لينظفها بين آونة وأُخرى ؟
هل شاهدتم في يوم قط يقضي حاجته على الرصيف مثل الكلاب القذرة؟
ألم تسألوا أنفسكم لماذا نحرص على تهيئة مكان نقضي فيه حاجتنا ثم نطمر بالتراب ما يخرج من أمعائنا حتى نواري القذارة عن الأعين.
أثناء تلك التداعيات التي مرّت سريعا في ذهني شاهدت بجانبي قط برتقالي اللون حين رآني استفيق من الاغماء افترّت عن شفتيه الورديتان ابتسامة عريضة:
- سلامة راسك يا زعيم
- زعيم؟؟ قلتها في وهن
- طبعا زعيم، باين عليك ابن ذوات متربي على النعمة ولون جلدك الرمادي يدل على طيب أصلك، أنت مولود زعيم بالفطرة وربي جابك لنا، نحن المساكين المضطهدين فأنت الأمل والمُنقذ الذي انتظرناه طويلا.
- قلت : طيب ممكن أعرف مين حضرتك، وما الذي أتى بي هنا؟
- قال وقد تقلّصت قسمات وجهه:
- معك بلا فخر أخوك المرتهش قائد فتوّة قطط هذه الحديقة وما جاورها، رأيتك تحتضر تحت الشاحنة وهرعت لنجدتك بعد أن خذلك الجاسوس العجوز، فجررتك من اذنك لأُنعِشك برذاذ رشاشات ماء سُقيا العُشب الذي أعرف بالدقة متى تنطلق. الرشاشات هُنا يا زعيم لا تتأخر كقطارات لندن!
- قلت: قطارات لندن؟
- قال نعم، فالقطارات هناك تتحرك في مواعيدها بالثانية
- قلت لكننا في الرياض فما علاقة لندن؟
- قال صحيح يا زعيم نحن في الرياض والناس هنا لا يهمهم الالتزام بالمواعيد لكن المهندس المسؤول عن حدائق الرياض تعلّم في الغرب وأصرّ على أن تشتغل كل رشاشات الماء بوقت مُحدد وموحّد وليس كآذان المساجد متفاوتة!
لهذا أسرعت لنجدتك.
سحبتك من تحت الشاحنة من اذنك وهي طبيعتنا نحن القطط، وأنت تعرف أقوى ما فينا عصب آذاننا والمخالب.
المهم هل أنت الآن أفضل يا زعيم؟
aalkeaid@hotmail.com
موعدنا يوم الأثنين القادم، للاشتراك يُرجى الضغط على كلمة (متابعة) اسفل الموقع
No comments:
Post a Comment