الطيور وكلب بافلوف
عُدت الى مُعتزلي في
الريف منذ أكثر من شهرين للتأمل والكتابة (اليوم 4 ديسمبر 2020) وأنا لمن لا يعرفني بطبعي أُحب العُزلة.
وبُحكم أنني كائنُ نهاريّ أنام مبكرا واستيقظ قبل طلوع الخيط الأبيض من الفجر وقبل
حتى استيقاظ العصافير من على اشجار المُعتزل وصياح ديوك الجيران.
تعوّدت على اطعام
الطيور غير المُدجنة مثل الحمام البريّ والبلابل الوافدة الى الواحة الوادعة بين
احضان رمال صحراء نجد هذا غير عصافير الدوري (الكحالي) وهدهد واحد وطائر عابر اسود
له ذيل طويل لا أعرف فصيلته، وحيث أنني رجل مُجدوَلْ (scheduled man) فقد كان ضمن برنامجي الصباحي كل يوم وبانضباط شديد نثر الحبوب
لتلك الطيور في تمام الساعة السادسة والنصف صباحا.
لم يُلفت انتباهي
وأنا أقوم بتلك الطقوس شيء غير معتاد لأنني لم أٌفكّر أصلا بأي أمرٍ عدا إطعام تلك
الطيور التي ربما لم تحظَ في يومٍ بوجبة
حبوب مُحترمة ، لكنني وفي يومٍ مطير تأخرت قليلا عن الساعة السادسة والنصف واذا بي
أمام مشهد درامي يستحق التدوين.
لقد أُصطفّ سرب حمام
(مجموعة احتجاج ) على الجدار المُطل على باحة المُعتزل التي انثر فيها الحبوب
وكأنها تعاتبني على التأخر في اداء واجبي.
نثرتُ وجبتها مُرتبكاً
وكأنني طفلٌ ارتكبَ فعل يستحق عليه العتاب. في اليوم التالي قررت التأخر عمداً
لأوثّق تلك المظاهرة السلميّة، وبالفعل حدث ما توقعته (وثّقتُ المشهد في الصور
المرفقة).
تذكرتُ حينها ما
درسناهُ عن نظرية العالم الروسي "ايفان بافلوف" التي (حسب موسوعة
ويكيبيديا العالمية) تقوم على عملية الارتباط الشرطي إذ يمكن لأي مثير بيئي محايد
أن يكتسب القدرة على التأثير في وظائف الجسم الطبيعية والنفسية إذا ما صوحب بمثير
آخر من شأنه أن يثير فعلاً استجابة منعكسة طبيعية أو اشراطية أخرى.
وقد أجرى بافلوف في
عام 1900م (حسب ذات المصدر) دراسة حول عملية الهضم عند الكلب في المختبر وقام
بقياس مقدار أو كمية اللعاب التي يفرزها الكلب عند
إطعامه، وفي أحد الأيام بينما كان يقترب من كلبه وبيده طبق الطعام لاحظ أن لعاب
الكلب بدأ يسيل فأدرك أن مجرد رؤية الطعام تؤدي إلى إحداث الاستجابة الشرطيّة.
في حكايتي هذه، كانت
الساعة السادسة والنصف صباحا (الوقت الذي انثر فيه الحبوب للطيور) هو الارتباط
الشرطي الذي يجعل الحمام وبقية الجوقة تأتي للمعتزل بحثا عن وجبتها الصباحية
وسلامتكم.
No comments:
Post a Comment