لماذا تعلّمت الكاراتيه
كنتُ أظن بأننا كأفراد من عامة الناس بمأمنٍ من صراعات الساسة ودسائس السياسة حتى حدث ما لم يكن في حُسباني على الاطلاق ولا حتى في احلامي وكوابيس منامي.
أثناء الدراسة في بريطانيا وبالتحديد في مطلع عام 1986 في مدينة ساحلية وعلى كورنيشها شبه الخاوي من المارة بسبب برودة الطقس كنت أمشي بجانب رفيق الرحلة وزميل الدراسة نتجاذب أطراف حديث متقطّع يطغى عليه أحياناً صوت الأمواج التي تتكسّر على الصخور.
الوقت كان بعد مغرب شمس يوم سبت متوجّس يُنذر بشرٍّ قادم. فجأة سمعنا مناداة سبقتها شتيمة " هيه أنتم أيها الأوغاد العرب قفوا" كانت لُغة صاحبي الإنجليزية لا تُساعده على فهم مثل هكذا مفردات فنظرتُ أنا للخلف واذا بشابان من الرعاع (هوليجانز) يسيران خلفنا ويشيران الينا. توقفتُ فانتبه صاحبي لما يجري فتوقف هو الآخر .
قبل البدء بالسؤال والجواب وعلى حين غِرّة وجه أحدهم لكمة قوية الى وجه صاحبي الذي لاذ بالفرار من فوره فسألتهم صارخا " ما بكم لماذا ضربتموه" ؟ وبدلا من تلقي الجواب تلقيت لكمات وضربات من كل جانب عرفت وأنا اترنح وقبل حدوث (بلاك أوت) لوعيي ان عدد من اعتدى علي كانوا أربعة قد ترجلوا من سيارة كانت تقلّهم ويصرخون بشكل متوحش (الموت لكم أيها العرب)*
حينما أفقت من غيبوبة لم تطل كثيرا عرفت بأنني مجرّد جسد آدميّ ملقى على الرصيف مكسور الأنف واحدى عيناي زرقاء متورمة بل كانت في الواقع مغلقة تماما كعين ملاكم هُزم بالضربة القاضية. شعرتُ بآلام متنوعة حارقة مثل طعام هنديّ، وطعم لزج في فمي المغمور بالدم.
بالكاد استطعت الجلوس وأنا أُلملم اطراف أوجاعي واذا بصاحبي يُقبِل وجِلاً يترقّب وحين رأى ما حدث لي أُصيب بالذهول. مسك يدي ووضعها على كتفيه وانهضني بصعوبة ، كنت بالكاد استطيع الوقوف على قدميّ فذهبنا الى حيث أوقفنا سيارتنا. اركبني بصعوبة وذهبنا الى اقرب مستشفى.
حين عٌدت الى مدينة (تشستر) التي كنت أدرس فيها وأنا مكسور الوجدان مشروخ الكرامة قررت بعد (ديالوج) داخلي بيني وبين نفسي التفكير في طريقة أُرمِمُ بها ضعفي وهواني عند الرعاع، فوجدتها في تعلّم واتقان مهارات الدفاع عن النفس وتعزيز ثقتي بنفسي وبالفعل التحقت بنادي تدريب (الكاراتيه) وكنت الملوّن الوحيد (حسب نظرة المجتمع هناك) حيث كان جميع المتدربون والمتدربات وقتها من الانجليز وجدوها فرصة للتدريب على جسدي المثخن بجراح رعاع (بلاك بول).
هذا الموقف الصعب الجديد جعلني أكثر صلابة ومهارة في تلافي الضربات والركلات فتقدمت سريعا في التدرج لنيل الأحزمة بشكل زاد من حنقهم على العربي المُصمم على الصمود والتصدّي!!
حصلت على الحزام الأصفر وهو ادنى درجة في أحزمة الكاراتيه ثم نلت الأخضر وهنا انتهت فترة ابتعاثي وعُدت للوطن. لكن صور المعتدين العلوج لم تغادر مخيلتي فلا بد وأن يأتي اليوم الذي انتقم فيه منهم، لهذا واصلت التدريب في أحد النوادي الرياضية الشهيرة وحصلت على الحزام الأزرق ثم البنّي الذي يعتبر الخطوة ما قبل الأخيرة للحصول على الحزام الأسود(الأول) والدخول في المنافسات المحليّة والدولية وفي احدى بطولات المملكة عام 1990 تقدمت لاختبار الحزام الأسود وبعد قتال مرير مع لاعب محترف يحمل الحزام الأسود الثالث مُنحت درجة الحزام وشهادة من الاتحاد السعودي للكاراتيه. كنت اثناء ذلك القتال (كوميتيه) استحضر في ذهني ملامح أولئك (الهوليجانز) الأربعة وأوجه لهم في خيالي اللكمات تلو اللكمات وهو ما جعل اللجنة التي كانت تراقب أسلوب قتالي توافق على منحي الحزام الأسود الأول.
هامش:
*كنت ضحية بشكلٍ غير مباشر لحادث التفجير الإرهابي الذي وقع في ابريل 1986 للملهي البرليني (نسبة الى برلين الغربية آنذاك) والذي اعتاد جنود الجيش الأمريكي التردد عليه للترفيه مما أدى ذلك التفجير الى قتل اثنان منهم واصابة العشرات وقد أُلصِقتْ تهمة ذلك الفعل الشنيع على جمهورية "القذافي" الشعبية الاشتراكية العُظمى الأمر الذي أثار غضب الشعوب الأوربية وتعاطفهم مع أمريكا "ريغان" في كراهية كل ما هو عربي أو مسلم ومن ذلك الوقت بدأ مسلسل الحرب المشبوهة على الإرهاب.
No comments:
Post a Comment