Sunday, July 31, 2022

النقد يشدّ ترهل المجتمعات

 






الأمم العظيمة هي التي تسمح بالنقد بل وتحث على ممارسته لهذا حق لها البقاء والتطوّر، أما المجتمعات التي تضيق بهِ وتُحاربه فهي بحاجة الى إعادة تصحيح مفاهيمها لأن المدينة الفاضلة كانت مشروعاً لأحد الفلاسفة وليست واقعاً حقيقياً معاصرا.

السؤال: كيف هو مفهوم النقد في مجتمعاتنا العربية وهل ما يُمارس في وسائل الاعلام والاتصال يمكن أن نطلق عليه نقدا؟

أقول:  إن من يتابع ما يدور من حوارات في منصات وبرامج السوشيال ميديا مثل تطبيق (كلوب هاوس) أو مساحات (تويتر) الحوارية وأيضا ما يُعرض على شاشات التلفزة من مسلسلات وبرامج يٌلاحظ ميلاً لطرح الرؤى (النقديّة) والتحليلات الشخصيّة تجاه الظواهر والقضايا  التي كانت في حُكم (التابو) تلك التي لم يكُ من الممكن مسّها أو الاقتراب من حِماها لولا ذلك الانفجار (الإتصاليّ) الذي حطّم كل احتكار للرأي وفتح الآفاق لقول كل شيء "طبعاٍ في حدود الأنظمة والقوانين المرعيّة" فأصبح الناس يسمعون ويشاهدون قضاياهم وهمومهم المسكوت عنها بل ويٌشاركون في طرح آرائهم وأفكارهم وما يعتقدونه مناسباً لحياتهم.

إذا اعتبرنا هذا في حكم الطبيعي والمقبول فما هي حكاية (البعض) الغاضب من هذا الأمر وظنّهم بأن  ما يدور هو في حقيقته مؤامرة دُبّرت بليلٍ هدفها هدم القيم وزعزعة القناعات وتشويه سمعة وطهارة المجتمعات وبالتالي جرّ الأمّة تجاه متاهات التغريب والعلمنة.

حين يتم نقد خلل في أداء (الرسمي) أو عيب في السلوك (الإجتماعي) فإن الناقد يتناوله في العادة بالتحليل المنطقي ووضع الخلل في خانة الأسئلة ثم عرض الحالة تحت مجهر النقد فما الذي يحدث بعد ذلك؟

يحدث أن ينتفض أحدهم وليس بالضرورة أن يكون المعني رقم واحد أو حتى رقم عشرين وغالبا لا علاقة له بالقضية أو التخصص، فيهبّ كالملدوغ ليُكذّب وينفي ماورد جُملة وتفصيلاً وأن الناقد ما هو الاّ حاقد هدفه الهدم لا البناء  وكلامه مردود عليه يجب محاسبته ومعاقبته!

مثل تفكير كهذا لا يُمكن لأي مشروع إصلاحي أو تنموي أن ينجح إذ لابد من سماع كافّة الآراء والبدء بالمُخالف منها وفي النهاية لن يصحّ إلا الصحيح.

يؤكّد المؤرخون أن غياب النقد بكافة اشكاله ومفاهيمه في أيّ حضارة أو أمّه قد يساهم بترهلها ولهذا يحرص المسؤولون في المجتمعات المتحضّرة على سماع رأي النقّاد كل في مجاله واعطائهم مساحة كافية ومضمونة من الحُريّة يتحركون فيها لإبراز العيوب وطرحها على طاولات التشريح.


No comments:

Post a Comment

اتصل بنا

Name

Email *

Message *